اخترنا لكم

التكنولوجيا عاجزة عن حل مشاكل السيارات

تِك راوي - 6 نوفمبر 2021
سيارات ذاتية القيادة
مصدر الصورة -

التقدم التقني في قطاع السيارات ذاتية القيادة قد يكون برّاقاً ومثيراً للاهتمام ولكنه قد يصرف انتباهنا كذلك عما نحتاجه فعلاً.

تعدنا السيارات والكهربائية وذاتية القيادة بتوفير محيط آمن لنا وللبيئة، وهي وعود مبشرة على الرغم من استمرار وجود عقبات رئيسية أمام وجود أعداد كبيرة من تلك السيارات على الطريق.

ومن الممكن أن يؤدي انشغالنا الزائد بتلك التقنيات الجديدة التي تغزو عالم السيارات إلى صرف انتباهنا عن سؤال يجب أن نواجه به أنفسنا وهو كيف يمكن أن نصبح أقل استخداماً للسيارات في حياتنا اليومية؟

فبالرغم من الخطط والسياسات التي اتبعتها وسائل النقل الامريكية لسنوات في محاولة منها لوضع السيارات في مركز الاهتمام، إلا أننا لا نزال نواجه وبشكل يومي آثارها السلبية، مثل تلوث الهواء والازدحام المروري والحوادث الطرقية بالاضافة الي نفاذ الطرق البديلة لنقل الناس وكذلك المنتجات.

أي ربما لا يكون الحل للمشاكل التي تتسبب بها السيارات هو في استخدام أنواع أخرى مختلفة من السيارات بل بتغيير عالمنا لجعله أقل اعتماداً عليها في الأساس.

ويناقش الدكتور  بيتر نورتن – وهو بروفيسور مساعد بقسم التاريخ في جامعة فرجينيا – في كتاب صدر له حديثاً، بالتفصيل الوعود السابقة التي طالما أطلقتها السيارات وشركات التكنولوجيا حول اختراعات من شأنها أن تلغي الجوانب السلبية في اعتمادنا على السيارات، ولكن تلك الاختراعات لم ترى النور، وهو بالضبط ما جعلني أفكر مؤخراً في مدى خطورة وضع كامل ثقتنا بالتكنولوجيا أو المكاسب التي قد تنتج عنها بالفعل.

ويقول الدكتور نورتن في كتابه أنه وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، تم الترويج للكثير من التقنيات مثل موجات الراديو وهندسة الطرقات السريعة والموصلات على أنها السبيل نحو صناعة السيارة المثلى.

وقد أخبرني الدكتور نورتن أن تلك التقنيات لم تكن مجهزة بشكل كامل للاستخدام وأن الفكرة من وجودها ببساطة هو أنه «بإمكان أي شخص القيادة في أي مكان أي وقت وبإمكانه كذلك أن يركن سيارته مجاناً وبدون أي حوادث على الطريق».

ويؤكد لي الدكتور نورتن بأن تلك الوعود والتقنيات لم ترى النور فيما يرجح أن تلقى السيارات ذاتية القيادة المصير نفسه، ويضيف: «أعتقد أن مشروع السيارات ذاتية القيادة على الطرق لن يجدي في النتيجة، وهو يعتمد على قبولنا بأن التكنولوجيا المتقدمة هي الأفضل والأنسب ولكن لا يوجد أي شيئ حتى الآن يمكن أن يثبت ذلك».

وهذا ليس رأي الدكتور نورتن وحده، بل حتى أكثر الأشخاص تفاؤلاً بالسيارات ذاتية القيادة بالإضافة يقولون اليوم بأنه سيم وقت طويل قبل أن  نرى تلك السيارات بأعداد كبيرة على الطرقات.

وبدوره ركز مؤتمر المناخ العالمي الجاري عقده في جلاسكو على أن تحولنا إلى استخدام السيارات الكهربائية التي تعد صديقة البيئة في المستقبل سيكون الخيار الأفضل لصحتنا وكوكبنا، خصوصاً إن تم استبعاد السائقين الذي قد يعرضون حياتنا للخطر. ولكن على الرغم من ذلك فإن انتاج سيارات أفضل لن يكون حلاً جذرياً.

ويرى زميلي الصحفي في جريدة نيويورك تايمز فرهاد مانجو، أنه الترويج للسيارات الكهربائية يأتي مصحوباً بترسيخ اعتمادنا الكلي عليها وعدم قدرتنا على الاستغناء عنها، ناهيك عن أن السفر بالسيارات ذاتية القيادة قد تستهلك أميالاً أكثر من السيارات العادية للوصول إلى وجهتها، ما يجعل حركة المرور بالتالي أكثر ازدحاماً وتعقيداً، (وعدت «أوبر» في السابق خدمات أنها ستقلل الازدحام على الطرقات وتخفض عدد الأميال التي يستغرقها السائقين الامريكين على الطرقات، إلا أن الشركة فعلت عكس ذلك في الواقع)!

يجب أن يشمل مستقبل النقل سيارات أكثر كفاءة في استخدام الطاقة وأكثر أمانًا. ويقول الدكتور نورتون إنه سيكون من المفيد إعادة توجيه الاستثمارات والاهتمام لجعل المشي وركوب الدراجات واستخدام وسائل النقل المشتركة خيارات أكثر جاذبية وبأسعار معقولة.

قد يبدو ما تحدث عنه الدكتور نورتن أقرب لخيال الناشطة في مجال المناخ السويدية جريتا ثونبرج. وإذا قلنا أن السيارة هي بالفعل من وسائل الراحة ومجرد التفكير في التخلي عنها سيكون في غاية الصعوبة وقد يترتب عليه تكلفة ومعاناة قد تكون طويلة الامد فلماذا نحاول إذاً؟

والجواب هو أن الوضع الحالي لوسائل النقل أصبح أكثر خطورة على صحة الإنسان والكوكب من ناحية، وأكثر استهلاكاً للمساحات العامة للمساحات العامة وأموال الحكومة، ناهيك عن أنه غير مستدام بيئياً من ناحية أخرى.

وقد استغرقت الولايات المتحدة الامريكية عقوداً طويلة من الزمن لاحتواء جميع المركبات وهذا كان خيار شعبها – بالرغم من أن ذلك كان موضع خلاف لفترة من الزمن- ونحن بدورنا اليوم في وسعنا اختيار طريق آخر.

ويدعونا الدكتور نورتن لتخيل ما يمكن أن يحدث فيما لو أنفق  جزء بسيط من الأموال – التي يتم اإنفاقها على تقنيات السيارات ذاتية القيادة – على سياسات ومنتجات «غير برّاقة». فماذا لو قمنا بتغيير أماكن السكن والبيوت لجعلها قريبة من المتاجر والمدارس وأماكن العمل وبالتالي توفير الكثير من المسافات والجهد على الامريكيين؟

ويؤكد الدكتور نورتن كذلك أن تطوير دراجات هوائية وسكك حديدية لا تحتاج إلى بطاريات سيكون أفضل بكثير من تطوير البرامج والتقنيات التي تحتاجها سيارات ذاتية القيادة.

لقد جعلني الحديث مع الدكتور نورتن أستذكر أن الابتكار هو سيف ذو حدين. فنحن نعلم أن التكنولوجيا تجعل حياتنا أفضل إلا ان اعتمادنا عليها والوثوق بما توعدنا به قد يبعدنا أحياناً عن مواجهة الأسباب الجذرية لمشاكلنا.

بقلم «شيرا أوفيد» من صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية

Move to top